فصل: ثم دخلت سنة أربع وعشرين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة توفي قدرخان ملك الترك بمار وراء النهر‏.‏

وفيها ورد أحمد بن محمد المنكدري الفقيه الشافعي رسولًا من مسعود ابن سبكتكين إلى القائم بأمر الله معزيًا له بالقادر بالله‏.‏

وفيها نقل تابوت القادر بالله إلى المقبرة بالرصافة وشهده الخلق العظيم وحجاج خراسان وكان يومًا مشهودًا‏.‏

وفيها كان بالبلاد غلاء شديد واستسقى الناس فلم يسقوا وتبعه وباء عظيم وكان عامًا في جميع البلاد بالعراق والموصل والشام وبلد الجبل وخراسان وغزنة والهند وغير ذلك وكثر الموت فدفن في أصبهان في عدة أيام أربعون ألف ميت وكثر الجدري في الناس فأحصي بالموصل أنه مات به أربعة آلاف صبي ولم تخل دار من مصيبة لعموم المصائب وكثرة الموت وممن جدر القائم بأمر الله وسلم‏.‏

وفيها جمع نائب نصر الدولة بن مروان بالجزيرة جمعًا ينيف على عشرة آلاف رجل وغزا من يقاربه من الأرمن وأوقع بهم وأثخن فيهم وغنم وسبى كثيرًا وعاد ظافرًا منصورًا‏.‏

وفيها كان بن أهل تونس من إفريقية خلف فسار المعز بن باديس إليهم بنفسه فأصلح بينهم وسكن الفتنة وعاد‏.‏

وفيها اجتمع ناس كثير من الشيعة بإفريقية وساروا إلى أعمال نفطة فاستولوا على بلد منها وسكنوه فجرد إليهم المعز عسكرًا فدخلوا البلاد وحاربوا الشيعة وقتلوهم أجمعين‏.‏

وفيها خرجت العرب على حاج البصرة ونهبوهم وحج الناس من سائر البلاد إلا من العراق‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن بن رضوان المصري النحوي في رجب‏.‏

وفيها قتل الملك أبو كاليجار صندلًا الخصي وكان قد استولى على المملكة وليس لأبي كاليجار معه غير الاسم‏.‏

وفيها توفي علي بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم أبو الحسن النعيمي البصري حدث عن جماعة وكان حافظًا شاعرًا فقيهًا على مذهب الشافعي‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وعشرين وأربعمائة

  ذكر عود مسعود إلى غزنة والفتن بالري وبلد الجبل

في هذه السنة في رجب عاد الملك مسعود بن سبكتكين من نيسابور إلى غزنة وبلاد الهند‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما كان قد استقر له الملك بعد أبيه أقر بما كان قد فتحه أبوه من الهند نائبًا يسمى أحمد ينالتكين وقد كان أبوه محمد استنابه بها ثقة بجلده ونهضته فرست قدمه فيها وظهرت كفايته‏.‏

ثم إن مسعودًا بعد فراغه من تقرير قواعد الملك والقبض على عمه يوسف والمخالفين له سار إلى خراسان عازمًا على قصد العراق فلما أبعد عصى ذلك النائب بالهند فاضطر مسعود إلى العود فأرسل إلى علاء الدولة بن كاكويه وأمره على أصبهان بقرار يؤديه كل سنة وكان علاء الدولة قد أرسل يطلب ذلك فأجابه إليه وأقر ابن قابوس بن وشمكير على جرجان وطبرستان على مال يؤديه إليه وسير أبا سهل الحمدوني إلى الري للنظر في أمور هذه البلاد الجبلية والقيام بحفظها وعاد إلى الهند فأصلح الفاسد وأعاد المخالف إلى طاعته وفتح قلعة حصينة تسمى سرستي على ما نذكره وقد كان أبوه حصرها غير مرة فلم يتهيأ له فتحها‏.‏

ولما سار أبو سهل إلى الري أحسن الناس وأظهر العدل فأزال الأقساط والمصادرات وكان تاش فراش قد ملأ البلاد ظلمًا وجورًا حتى تمنى الناس الخلاص منهم ومن دولتهم وخربت البلاد وتفرق أهلها فلما ولي الحمدوني وأحسن وعدل عادت البلاد فعمرت والرعية أمنت وكان الإرجاف شديدًا بالعراق لما كان الملك مسعود بنيسابور فلما عاد سكن الناس واطمأنوا‏.‏

  ذكر ظفر مسعود بصاحب ساوة وقتله

فيها قبض عسكر السلطان مسعود بن محمود على شهريوش بن ولكين فأمر به مسعود فقتل وصلب على سور ساوة‏.‏

وكان سبب ذلك أن شهريوش كان صاحب ساوة وقم وتلك النواحي فلما اشتغل مسعود بأخيه محمد بعد موت والده جمع شهريوش جمعًا وسار إلى الري محاصرًا لها فلم يتم ما أراده ثم في هذه السنة اعترض الحجاج الواردين من خراسان وعمهم أذاه وأخذ منهم ما لم تجر عادة وأساء إليهم وبلغ ذلك إلى مسعود فتقدم إلى تاش فراش وإلى أبي الطيب طاهر بن عبد الله خليفته معه يطلب شهريوش وقصده أين كان واستنفاد الوسع في قتاله فسارت العساكر في أثره فاحتمى بقلعة تقارب قم تسمى فستق وهي حصينة عالية المكان وثيقة البنيان فأحاطوا به وأخذوه وكتبوا إلى مسعود في أمره فأمرهم بصلبه على سور ساوة‏.‏

  ذكر استيلاء جلال الدولة على البصرة وخروجها عن طاعته

في هذه السنة سارت عساكر جلال الدولة مع ولده الملك العزيز فدخلوا البصرة في جمادى الأولى‏.‏

وكان سبب ذلك أن بختيار متولي البصرة تولى فقام بعد ظهير الدين أبو القاسم خال ولده لجلد كان فيه وكفاية وهو في طاعة الملك أبي كاليجار ودام كذلك فقيل لأبي كاليجار‏:‏ إن أبا القاسم ليس لك من طاعته غير الاسم ولو رمت عزله لتعذر عليك‏.‏

وبلغ ذلك ابا القاسم فاستعد للامتناع وأرسل أبو كاليجار إليه ليعزله فامتنع وأظهر طاعة جلال الدولة وخطب له وأرسل إلى ابنه وهو بواسط يطلبه فانحدر إليه في عساكر أبيه التي كانت معه بواسط ودخلوا البصرة مع أبي القاسم إلى أن دخلت سنة خمس وعشرين وليس له معه أمر والحكم إلى أبي القاسم‏.‏

ثم إنه أراد القبض على بعض الديلم فهرب ودخل دار الملك العزيز مستجيرًا فاجتمع الديلم إليه وشكوا من أبي القاسم فصادفت شكواهم صدرًا موغرًا حنقًا عليه لسوء صحبته فأجابهم إلى ما أرادوه من إخراجه عن البصرة واجتمعوا وعلم أبو القاسم بذلك فامتنع بالأبلة وجمع أصحابه وجرى بين الفريقين حروب كثيرة أجلت عن خروج العزيز عن البصرة وعوده إلى واسط وعود أبي القاسم إلى طاعة أبي كاليجار‏.‏

  ذكر إخراج جلال الدولة من دار المملكة وإعادته إليها

في هذه السنة في رمضان شغب الجند على جلال الدولة وقبضوا عليه ثم أخرجوه من داره ثم سألوه ليعود إليها فعاد‏.‏

وسبب ذلك أنه استقدم الوزير أبا القاسم من غير أن يعلموا فلما قدم ظنوا أنه إنما ورد للتعرض إلى أموالهم ونعمهم فاستوحشوا واجتمعوا إلى داره وهجموا عليه وأخرجوه إلى مسجد هناك فوكلوا به فيه ثم إنهم أسمعوه ما يكره ونهبوا بعض ما في داره فلما وكلوا به جاء بعض القواد في جماعة من الجند ومن انضاف إليه من العامة والعيارين فأخرجه من المسجد وأعاده إلى داره فنقل جلال الدولة ولده وحرمه وما بقي له إلى الجانب الغربي وعبر هو في الليل إلى الكرخ فلقيه أهل الكرخ بالدعاء فنزل بدار المرتضى وعبر الوزير أبو القاسم معه‏.‏

ثم إن الجند اختلفوا فقال بعضهم‏:‏ نخرجه من بلادنا ونملك غيره‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليس من بني بويه غير وغير أبي كاليجار وذلك قد عاد إلى بلاده ولا بد من مداراة هذا‏.‏

فأرسلوا إليه يقولون له‏:‏ نريد أن تنحدر عنا إلى واسط وأنت ملكنا وتترك عندنا بعض أولادك الأصاغر‏.‏

فأجابهم إلى ذلك وأرسل سرًا إلى الغلمان الأصاغر فاستمالهم إلى كل واحد من الأكابر وقال‏:‏ إنما أثق بك وأسكن إليك واستمالهم أيضًا فعبروا إليه وقبلوا الأرض بين يديه وسألوه العود إلى دار الملك فعاد وحلف لهم على إخلاص النية والإحسان إليهم وحلفوا له على المناصحة واستقر في داره‏.‏

في هذه السنة توفي الوزير أحمد بن الحسن الميمندي وزير مسعود بن سبكتكين ووزر بعده أبو نصر أحمد بن علي بن عبد الصمد وكان وزير هارون التونتاش صاحب خوارزم ووزر بعده لهارون ابنه عبد الجبار‏.‏

وفيها ثار العيارون ببغداد وأخذوا أموال الناس ظاهرًا وعظم الأمر على أهل البلد وطمع المفسدون إلى حد أن بعض القواد الكبار أخذ أربعة من العيارين فجاء عقيدهم وأخذ من اصحاب القائد أربعة وحضر باب داره ودق عليه الباب فكلمه من داخل فقال العقيد‏:‏ قد أخذت من أصحابك أربعة فإن أطلقت من عندك أطلقت من عندي وإلا قتلتهم وأحرقت دارك‏!‏ فأطلقهم القائد‏.‏

وفيها تأخر الحاج من خراسان‏.‏

وفيها خرج حجاج البصرة بخفير فغدر بهم ونهبهم‏.‏

وفيها في جمادى الأولى توفي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيضاوي الفقيه الشافعي عن نيف وثمانين سنة‏.‏

وفيها في شوال توفي أبو الحسن بن السماك القاضي عن خمس وتسعين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وعشرين وأربعمائة

وغيرها من بلد الهند في هذه السنة فتح السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين قلعة سرستي وما جاورها من بلد الهند‏.‏

وكان سبب ذلك ما ذكرناه من عصيان نائبه بالهند أحمد ينالتكين عليه ومسيره إليه فلما عاد أحمد إلى طاعته أقام بتلك البلاد طويلًا حتى أمنت واستقرت وقصد قلعة سرستي وهي من أمنع حصون الهند وأحصنها فحصرها وقد كان أبوه حصرها غير مرة فلم يتهيأ له فتحها فلما حصرها مسعود راسله صاحبها وبذل له مالًا على الصلح فأجابه إلى ذلك‏.‏

وكان فيها قوم من التجار المسلمين فعزم صاحبها على أخذ أموالهم وحملها إلى مسعود من جملة القرار عليه فكتب التجار رقعة في نشابة ورموا إليه يعرفونه فيها ضعف الهنود بها وأنه إن صابرهم ملكهم فرجع عن الصلح إلى الحرب وطم خندقها بالشجر وقصب السكر وغيره وفتح الله عليه وقتل كل من فيها سبى ذراريهم وأخذ ما جاورها من البلاد وكان عازمًا على طول المقام والجهاد فأتاه من خراسان خبر الغز فعاد على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

  ذكر حصر قلعة بالهند أيضًا

لما ملك مسعود قلعة سرستي رحل عنها إلى قلعة نغسى فوصل إليها عاشر صفر وحصرها فرآها عالية لا ترام يرتد البصر دونها وهو حسير إلا أنه أقام عليها يحصرها فخرجت عجوز ساحرة فتكلمت باللسان الهندي طويلًا وأخذت مكنسة فبلتها بالماء ورشته منها إلى جهة عسكر المسلمين فمرض وأصبح ولا يقدر أن يرفع رأسه وضعفت قوته ضعفًا شديدًا فرحل عن القلعة لشدة المرض فحين فارقها زال ما كان به وأقبلت الصحة والعافية إليه وسار نحو غزنة‏.‏

  ذكر الفتنة بنيسابور

لما اشتد أمر الأتراك بخراسان على ما نذكره تجمع كثير من المفسدين وأهل العيث والشر وكان أول من أثار الشر أهل أبيورد وطوس واجتمع معهم خلق كثير وساروا إلى نيسابور لينهبوها وكان الوالي عليها قد سار عنها إلى الملك مسعود فخافهم خوفًا عظيمًا وأيقنوا بالهلاك‏.‏

فبينما هم يترقبون البوار والاستئصال وذهاب الأنفس والأموال إذ وصل إليهم أمير كرمان في ثلاثمائة فارس قدم متوجهًا إلى مسعود أيضًا فاستغاث به المسلمون وسألوه أن يقيم عندهم ليكف عنهم الأذى فأقام عليهم وقاتل معهم وعظم الأمر واشتدت الحرب وكان الظفر له ولأهل نيسابور فانهزم أهل طوس وأبيورد ومن تبعهم وأخذتهم السيوف من كل جانب وعمل بهم أمير كرمان أعمالًا عظيمة وأثخن فيهم وأسر كثيرًا منهم وصلبهم على الأشجار وفي الطرق فقيل إنه عدم من أهل طوس عشرون ألف رجل‏.‏

ثم إن أمير كرمان أحضر زعماء قرى طوس وأخذ أولادهم وإخوانهم وغيرهم من أهليهم رهائن فأودعهم السجون وقال‏:‏ إن اعترض منكم واحد إلى أهل نيسابور أو غيرهم أو قطع طريقًا فأولادكم وإخوانكم ورهائنكم مأخوذون بجناياتكم‏.‏

فسكن الناس وفرج الله عن أهل نيسابور بما لم يكن في حسابهم‏.‏

  ذكر الحرب بين علاء الدولة وعسكر خراسان

في هذه السنة اجتمع علاء الدولة بن كاكويه وفرهاذ بن مرداويج واتفقا على قتال عسكر مسعود بن محمود بن سبكتكين وكانت العساكر قد خرجت من خراسان مع أبي سهل الحمدوني فالتقوا واقتتلوا قتالًا شديدًا صبر فيه الفريقان ثم انهزم علاء الدولة وقتل فرهاذ واحتمى علاء الدولة بجبال بين أصبهان وجرباذقان ونزل عسكر مسعود بكرج‏.‏

وأرسل أبو سهل إلى علاء الدولة يقول له ليبذل المال ويراجع الطاعة ليقره على ما بقي من البلاد ويصلح حاله مع مسعود‏.‏

فترددت الرسل فلم يستقر بينهم أمر فسار أبو سهل إلى أصبهان فملكها وانهزم علاء الدولة من بين يديه لما خاف الطلب إلى إيذج وهي للملك أبي كاليجار‏.‏

ولما استولى أبو سهل على أصبهان نهب خزائن علاء الدولة وأمواله وكان أبو علي بن سينا في خدمة علاء الدولة فأخذت كتبه حملت إلى غزنة فجعلت في خزائن كتبها إلى أن أحرقها عساكر الحسين بن الحسين الغوري على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

  ذكر الحرب بين نور الدولة دبيس وأخيه ثابت

في هذه السنة كانت حرب شديدة بين دبيس بن علي بن مزيد وأخيه أبي قوام ثابت بن علي بن مزيد‏.‏

وسبب ذلك أن ثابتًا كان يعتضد بالبساسيري ويتقرب إليه فلما كان سنة أربع وعشرين وأربعمائة سار البساسيري معه إلى قتال أخيه دبيس فدخلوا النيل واستولوا عليه وعلى أعمال نور الدولة فسير نور الدولة إليهم طائفة من أصحابه فقاتلوهم فانهزموا فلما رأى دبيس هزيمة أصحابه سار عن بلده وبقي ثابت فيه إلى الآن فاجتمع دبيس وأبو المغرا عنازا ابن المغرا وبنو

أسد وخفاجة وأعانه ابو كامل منصور بن قراد وساروا جريدة لإعادة دبيس إلى بلده وأعماله وتركوا حللهم بين خصاوحربى‏.‏

فلما ساروا لقيهم ثابت عند جرجرايا وكانت بينهم حرب قتل فيها جماعة من الفريقين ثم تراسلوا واصطلحوا ليعود دبيس إلى أعماله ويقطع أخاه ثابتًا إقطاعًا وتحالفوا على ذلك وسار البساسيري نجدة لثابت فلما وصل إلى النعمانية سمع بصلحهم فعاد إلى بغداد‏.‏

  ذكر ملك الروم قلعة بركوي

هذه قلعة متاخمة للأرمن في يد أبي الهيجاء بن ربيب الدولة ابن أخت وهسوذان بن مملان فتنافر هو وخاله فأرسل خاله إلى الروم فأطمعهمم فيها فسير الملك إليها جمعًا كثيرًا فملكوها فبلغ الخبر إلى الخليفة فأرسل إلى أبي الهيجاء وخاله من يصلح بينهما ليتفقا على استعادة القلعة فاصطلحا ولم يتمكنا من استعادتها واجتمع إليهما خلق كثير من المتطوعة فلم يقدروا على ذلك لثبات قدم الروم بها‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة استوزر جلال الدولة عميد الدولة أبا سعد بن عبد الرحيم وهي الوزارة

الخامسة وكان قبله في الوزارة ابن ماكولا ففارقها وسار إلى عكبرا فرده جلال الدولة إلى الوزارة وعزل أبا سعد فبقي أيامًا ثم فارقها إلى أوانا‏.‏

وفيها استخلف البساسيري في حماية الجانب الغربي ببغداد لأن العيارين اشتد أمرهم وعظم فسادهم وعجز عنهم نواب السلطان فاستعملوا البساسيري لكفايته ونهضته‏.‏

وفيها توفي أبو سنان غريب بن محمد بن مقن في شهر ربيع الآخر في كرخ سامرا وكان يلقب سيف الدولة وكان قد ضرب دراهم سماها السيفية وقام بالأمر بعده ابنه أبو الريان وخلف خمسمائة ألف دينار وأمر فنودي‏:‏ قد أحللت كل من لي عنده شيء فحللوني كذلك فحللوه وكان عمره سبعين سنة‏.‏

وفيها توفي بدران بن المقلد وقصد ولده عمه قرواشًا فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين وكان بنو نمير قد طمعوا فيها وحصروها فسار إليهم ابن بدران فدفعهم عنها‏.‏

وفيها توفي أرمانوس ملك الروم وملك بعده رجل صيرفي ليس من بيت الملك وإنما بنت قسطنطين اختارته‏.‏

وفيها كثرت الزلازل بمصر والشام وكان أكثرها بالرملة فإن أهلها فارقوا منازلهم عدة أيام وانهدم منها نحو ثلثها وهلك تحت الهدم خلق كثير‏.‏

وفيها قبض قرواش على البرجمي العيار وغرقه وكان سبب ذلك أن قرواشًا قبض على ابن القلعي عامل عكبرا فحضر البرجمي العيار عند قرواش مخاطبًا في أمره لمودة بينهما فأخذه قرواش وقبض عليه فبذل مالًا كثيرًا ليطلقه فلم يفعل وغرقه وكان هذا البرجمي قد عظم شأنه وزاد شره وكبس عدة مخازن بالجانب الشرقي وكبس دار المرتضى ودار ابن عديسة وهي مجاورة دار الوزير وثار العامة بالخطيب يوم الجمعة وقالوا‏:‏ إما أن تخطب للبرجمي وإلا فلا تخطب لسلطان ولا غيره وأهلك الناس ببغداد وحكاياته كثيرة وكان مع هذا فيه فتوة وله مروءة لم يعرض إلى امرأة ولا إلى من يستسلم إليه‏.‏

وفيها هبت ريح سوداء بنصيبين فقلعت من بساتينها كثيرًا من الأشجار وكان في بعض البساتين قصر مبني بجص وآجر وكلس فقلعته من أصله‏.‏

وفيها كثر الموت بالخوانيق في كثير من بلاد العراق والشام والموصل وخوزستان وغيرها حتى كانت الدار يسد بابها لموت أهلها‏.‏

وفيها في ذي القعدة انقض كوكب هال منظره الناس وبعد بليلتين انقض شهاب آخر أعظم منه كأنه البرق ملاصق الأرض وغلب على ضوء المشاعل ومكث طويلًا حتى غاب أثره‏.‏

وفيها توفي أبو العباس الأيبوردي الفقيه الشافعي قاضي البصرة وأبو بكر محمد بن أحمد بن غالب البرقاني المحدث الإمام المشهور وكانت وفاته في رجب والحسين بن عبد الله بن يحيى أبو علي البندنيجي الفقيه الشافعي وهو من أصحاب أبي حامد الأسفراييني وعبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الفرج التميمي الفقيه الحنبلي‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة

  ذكر حال الخلافة والسلطنة ببغداد

في هذه السنة انحل أمر الخلافة والسلطنة ببغداد حتى إن بعض الجند خرجوا إلى قرية يحيى فلقيهم أكراد فأخذوا دوابهم فعادوا إلى قراح الخليفة القائم بأمر الله فنهبوا شيئًا من ثمرته وقالوا للعمالين فيه‏:‏ أنتم عرفتم حال الأكراد ولم تعلمونا‏.‏

فسمع الخليفة الحال فعظم عليه ولم يقدر جلال الدولة على أخذ أولئك الأكراد لعجزه ووهنه واجتهد في تسليم الجند إلى نائب الخليفة فلم يمكنه ذلك فتقدم الخليفة إلى القضاة بترك القضاء والامتناع عنه وإلى الشهود بترك الشهادة وإلى الفقهاء بترك الفتوى‏.‏

فلما رأى جلال الدولة ذلك سأل أولئك الأجناد ليجيبوه إلى أن يحملهم إلى ديوان الخلافة ففعلوا فلما وصلوا إلى دار الخلافة أطلقوا وعظم أمر العيارين وصاروا يأخذون الأموال ليلًا ونهارًا ولا مانع لهم لأن الجند يحمونهم على السلطان ونوابه والسلطان عاجز عن قهرهم وانتشر العرب في البلاد فنهبوا النواحي وقطعوا الطريق وبلغوا إلى أطراف بغداد حتى وصلوا إلى جامع المنصور وأخذوا ثياب النساء في المقابر‏.‏

  ذكر إظهار أحمد ينالتكين العصيان وقتله

في سنة خمس وعشرين عاد مسعود بن محمود من الهند لقتال الغز كما ذكرناه فعاد أحمد ينالتكين إلى إظهار العصيان ببلاد الهند وجمع الجموع وقصد البلاد بالأذى فسير إليه مسعود جيشًا كثيفًا وكانت ملوك الهند تمنعه من الدخول إلى بلادهم وسد منافذ هربه‏.‏

ولما وصل الجيش المنفذ إليه قاتلهم فانهزم ومضى هاربًا إلى الملتان وقصد بعض ملوك الهند بمدينة بهاطية ومعه جمع كثير من عساكره الذين سلموا فلم يكن لذلك الملك قدرة على منعه وطلب منه سفنًا ليعبر نهر السند فأحضره له السفن‏.‏

وكان في وسط النهر جزيرة ظنها أحمد ومن معه متصلة بالبر من الجانب الآخر ولم يعلموا أن الماء محيط بها فتقدم ملك الهند إلى أصحاب السفن بإنزالهم في الجزيرة والعود عنهم ففعلوا ذلك وبقي أحمد ومن معه فيها وليس معهم طعام إلا ما معهم فبقوا بها تسعة أيام ففني زادهم وأكلوا دوابهم وضعفت قواهم فأرادوا خوض الماء فلم يتمكنوا منه لعمقه وشدة الوحل فيه فعبر الهند إليهم عسكرهم في السفن وهم على تلك الحال فأوقعوا بهم وقتلوا أكثرهم وأخذوا ولدًا لأحمد أسيرًا فلما رآه أحمد على تلك الحال قتل نفسه واستوعب أصحابه القتل والأسر والغرق‏.‏

  ذكر ملك مسعود جرجان وطبرستان

كان الملك مسعود قد أقر دارا بن منوجهر بن قابوس على جرجان وطبرستان وتزوج أيضًا بابنة أبي كاليجار القوهي مقدم جيش دارا واقيم بتدبير أمره استمالة‏.‏

فلما سار إلى الهند منعوا ما كان استقر عليهم من المال وراسلوا علاء الدولة بن كاكويه وفرهاذ بالاجتماع على العصيان والمخالفة وقوي عزمهم على ذلك ما بلغهم من خروج الغز بخراسان‏.‏

فلما عاد مسعود من الهند وأجلى الغز وهزمهم سار إلى جرجان فاستولى عليها وملكها وسار إلى آمل طبرستان وقد فارقها أصحابها واجتمعوا بالغياض والأشجار الملتفة الضيقة المدخل الوعرة المسلك فسار إليهم واقتحمها عليهم فهزمهم وأسر منهم وقتل ثم راسله دارا وأبو كاليجار وطلبوا منه العفو وتقرير البلاد عليهم فأجابهم إلى ذلك وحملوا من الأموال ما كان

  ذكر مسير ابن وثاب والروم إلى بلد ابن مروان

فيها جمع ابن وثاب النميري جمعًا كثيرًا من العرب وغيرهم واستنجد من بالرها من الروم فسار معه منهم جيش كثيف وقصد بلد نصر الدولة بن مروان ونهب وأخرب‏.‏

فجمع ابن مروان جموعه وعساكره واستمد قرواشًا وغيره وأتته الجنود من كل ناحية فلما رأى ابن وثاب ذلك وأنه لا يتم له غرض عاد عن بلاده‏.‏

وأرسل ابن مروان إلى ملك الروم يعاتبه على نقض الهدنة وفسخ الصلح الذي كان بينهما وراسل أصحاب الأطراف يستنجدهم للغزاة فكثر جمعه من الجند والمتطوعة وعزم على قصد الرها ومحاصرتها فوردت رسل ملك الروم يعتذر ويحلف أنه لم يعلم بما كان وأرسل إلى عسكره الذين بالرها والمقدم عليهم ينكر ذلك وأهدى إلى نصر الدولة هدية سنية فترك ما كان عازمًا عليه من الغزو وفرق العساكر المجتمعة عنده‏.‏

  ذكر عدة حوادث

فيها خرج أبو سعد وزير جلال الدولة إلى أبي الشوك مفارقًا للوزارة ووزر بعده أبو القاسم وكثرت مطالبات الجند فهرب فأخرج وحمل إلى دار المملكة مكشوف الرأس في قميص

وفيها في ذي الحجة وثب الحسن بن أبي البركات بن ثمال الخفاجي بعمه علي بن ثمال أمير بني خفاجة فقتله وقام بإمارة بني خفاجة‏.‏

وفيها جمعت الروم وسارت إلى ولاية حلب فخرج إليهم صاحبها شبل الدولة بن صالح بن مرداس فتصافوا واقتتلوا فانهزمت الروم وتبعهم إلى عزاز وغنم غنائم كثيرة وعاد سالمًا‏.‏

وفيها قصدت خفاجة الكوفة ومقدمهم الحسن بن أبي البركات بن ثمال فنهبوها وأرادوا تخريبها ومنعوا النخل من الماء فهلك أكثره‏.‏

وفيها هرب الزكي أبو علي النهرسابسي من محبسه وكان قرواش قد اعتقله بالموصل فبقي سنتين إلى الآن ولم يحج هذه السنة من العراق أحد‏.‏

و في هذه السنة توفي أحمد بن كليب الأديب الشاعر الأندلسي وحديثه مع أسلم بن أحمد بن سعيد مشهور وكان يهواه فقال فيه‏:‏ أسلمني في هواه أسلم هذا الرشا غزال له مقلة يصيب بها من يشا وشى بيننا حاسد سيسأل عما وشى ولو شاء أن يرتشي على الوصل روحي ارتشى وتوفي في جمادى الأولى منها أحمد بن عبد الملك بن أحمد بن شهيد الأديب الأندلسي ومن شعره‏:‏ إن الكريم إذا نالته مخمصة أبدى إلى الناس شبعًا وهو طيان يحني الضلوع على مثل اللظى حرقًا والوجه غمر بماء البشر ملآن وله أيضًا‏:‏ كتبت لها انني عاشق على مهرق اللثم بالناظر فردت علي جواب الهوى بأحور عن مائه حائر منعمة نطقت بالجفون فدلت على دقة الخاطر كأن فؤادي إذا أعرضت تعلق في مخلبي طائر وفيها توفي أبو المعالي بن سخطة العلوي النقيب بالبصرة وأبو محمد بن معية العلوي بها أيضًا وأبو علي الحسين بن أحمد بن شاذان المحدث الأشعري مذهبًا وكان مولده ببغداد سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وحمزة بن يوسف الجرجاني وكان من أهل الحديث‏.‏

في هذه السنة ثار الجند ببغداد بجلال الدولة وأرادوا إخراجه منها فاستنظرهم ثلاثة أيام فلم ينظروه ورموه بالآجر فأصابه بعضهم واجتمع الغلمان فردوهم عنه فخرج من باب لطيف في سميرية متنكرًا وصعد راجلًا منها إلى دار المرتضى بالكرخ وخرج من دار المرتضى وسار إلى رافع بن الحسين بن مقن بتكريت وكسر الأتراك أبواب داره ودخلوها ونهبوها وقلعوا كثيرًا من ساجها وأبوابها فأرسل الخليفة إليه وقرر أمر الجند وأعاده إلى بغداد‏.‏

  ذكر الحرب بين أبي سهل الحمدوني وعلاء الدولة

في هذه السنة سار طائفة من العساكر الخراسانية التي مع الوزير أبي سهل الحمدوني بأصبهان يطلبون الميرة فوضع عليهم علاء الدولة من أطعمهم في الامتياز من النواحي القريبة منه فساروا إليها ولا يعلمون قربه منهم فلما أتاه خبرهم خرج إليهم وأوقع بهم وغنم ما معهم‏.‏

وقوي طمعه بذلك فجمع جمعًا من الديلم وغيرهم وسار إلى أصبهان وبها أبو سهل في عساكر مسعود بن سبكتكين فخرجوا إليه وقاتلوه فغدر الأتراك بعلاء الدولة فانهزم ونهب سواده فسار إلى بروجرد ومنها إلى الطرم فلم يقبله ابن السلار وقال‏:‏ لا قدرة لي على مباينة